نواب يحبون الولاة ويعشقون التلفزيون… هوايتهم رفع الأيادي
هل يبقى واجب البرلمان، كما قال الدستور في مادته 100 ”وفيا لثقة الشعب ويظل يتحسس تطلعاته” منذ بداية العهدة حتى نهايتها ؟ سؤال يحتوي في طياته الكثير من المهام والصلاحيات والأدوات التي توجد في يد الهيئة التشريعية، غير أن طريقة ممارستها من طرف نوابه وأحزابهم هي وراء هذا الفارق الذي جعل البرلمان بشهادة أهله يتحول إلى مجرد ”غرفة تسجيل” لبريد الحكومة. يمكن قول أي شيء عن البرلمان سوى أنه يمارس الرقابة بمدلولها الشعبي على أداء الجهاز التنفيذي، وذلك ليس، كما يعتقد البعض، لشح الصلاحيات المخولة له وإنما لضعف تركيبته .
”الشكارة” و”الجهوية” و”الولاء” صنعت جزءا من البرلمان
لا تنكر أغلب الأحزاب السياسية التي تشارك في البرلمان، أن دخول عدد كبير من النواب كان من صناعة ”الشكارة” أو ”الجهوية”، وإن طرحت أسماء على أساس كفاءتها فلا أحد ينفي عنها اختيارها على خلفية معيار ”الولاء”، وهي عوامل تجمعت كلها في مجلس عبد العزيز زياري وجعلته برلمانا لا يراقب.
تجمع كل الآراء السياسية والتحاليل المتعلقة بأداء المجلس الشعبي الحالي المنتخب للعهدة التشريعية السابعة على أنه أضعف برلمان تعرفه الجزائر من حيث هزالة النقاش السياسي وانحسار الأداء التشريعي وغياب آليات الرقابة النيابية على الحكومة، مقارنة بالمجالس السابقة التي شهدتها الجزائر. وقد جاء في تعليقات كثيرة أن ”الشكارة” قد أظهرت لأول مرة في تاريخ الجزائر شيئا اسمه البرلمان الأسود بفضل الأموال السوداء.
واللافت أن ”صناعة” برلمان ,2007 كانت بتمهيد عبر قانون معدل للانتخابات، سمح فقط بدخول تسعة أحزاب السباق. وكان من التبريرات الرسمية التي قدمت للاستهلاك، أن ذلك سيسد الطريق أمام مظاهر ”البزنسة” التي في العادة تمارسها أشباه الأحزاب لإيصال أصحاب المال إلى إحدى السلطات الثلاث في البلاد. لكن التجربة أثبتت أن أبوابا أخرى فتحت لذوي المال والنفوذ، تمكنوا من ترؤس القوائم الانتخابية لدى أغلب الأحزاب المشاركة.
وقد تحولت قوائم تلك التشريعيات إلى أشبه بالمزاد العلني، يدخلها فقط من يدفع أكثـر، وهي أولى المظاهر السوداء في البرلمان القائم اليوم، وهي أيضا أكبر الأسباب التي دفعت به إلى الابتعاد عن مهام الرقابة وتحول بعض نوابه إلى مهمة ”الحفاظ على المصالح” الاقتصادية وصفقات مشاريع. ودون قصد امتدت سلبيات هذا العمل على قطاع واسع من الشباب الحائزين على الشهادات الجامعية، والذين أدرجت أسماؤهم في آخر قائمة الترشيحات، وإن وجدت إطارات في أولى القوائم فإن شيئا من بين إثنين قد تمت مراعاته ”الجهوية” ثم ”الولاء”.
اليوم وبعد خمسة سنوات من انتخاب المجلس الجديد بخمسة و أربعون حزب ،ثلاثة أحزاب تستحوذ على الغالبية، وعشرات المقاعد بين شتات أحزاب مجهرية، ترسم مظهرا لبرلمان كأنه غرفة تسجيل للقوانين والمصادقة عليها دون أي تعديلات حساسة يمكن أن تحرج الحكومة، بالنظر إلى الاتفاقات المسبقة التي تجري بين أحزاب التحالف الرئاسي المشكلة للأغلبية في البرلمان. ومن أغرب ما صدر عن هذا المجلس، إعلان مسؤوله الأول عبد العزيز زياري عما يشبه ”التنازل” التام للحكومة عن دور التشريع، وقد قالها زياري صراحة ردا على عدم إشراك الحكومة النواب في اقتراح مشاريع قوانين: ”الحكومة تتوفر على أدوات أفضل من تلك التي يتوفر عليها المجلس الوطني كمؤسسة تشريعية لتحديد المشاكل المطروحة”. وأضاف أن ”القانون لا يمنع نواب البرلمان من اقتراح مشاريع قوانين على الحكومة”. وقد كان واضحا أن تمهيدا ما يتم للبرلمان الحالي، على أساس انتزاع جميع أسلحته التي قد تضيف للحكومة صداعا جديدا، وجرى في ذلك تعديل دستوري، وحد السلطة التنفيذية في رأس واحد، هو رئيس الجمهورية، الذي لا يتحمل بموجب التعديل تبعات إخفاق الحكومة أمام البرلمان، لكنه يحظى بالثناء في حال نجاحها، وهو وضع جديد اليوم يرضى به البرلمان لنفسه في إطار سلسلة من التحولات بدأت بـ”الشكارة”، ”الجهوية” و”الولاء” وانتهت برقابة وزير أول ليس له من الصلاحيات سوى نقل برنامج الرئيس ثم إعادته.