بسم لله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
كلمة خفيفة على اللسان يرددها الإنسان و لا يلقي لها بالا ، و ربما تقال لآخر فلا يكترث بها ، إن مدلولها لعظيم و اثرها لبالغ فماذا تعني " حسبي الله و نعم الوكيل " ؟
معنى حسبي الله : أي يكفيني الله تعالى عن غيره في الرزق, والنصر, والعون, واللطف ، والرحمة, والوقاية ... وغير ذلك.
والوكيل : هو من يوكله الإنسان ليقضي له أمراً ، و كلما كان الوكيل قوياً, أميناً, فطناً, حكيماً, كان قضاء الأمر أفضل وأكمل, ولذلك يختار الناس المحامين الأقوياء والأمناء لتوكيلهم في قضياهم.
ومعنى نعم الوكيل : أي : من أفضل من الله وكيلاً في نصرتي؟, ومن أعظم وكيلاً من الله في قضاء حاجتي؟ ومن أقوى من الله وكيلاً في رد كيد الكائدين, وظلم الظالمين؟
وكلما كان القلب معلقاً بالله , متوكلاً عليه, مستيقناً بحكمة الله وقدرته, مسلّماً لأمره وقضائه, كانت الوكالة أصدق, والتوكل أعظم, والثمرة أطيب ، ولا ينبغي للمسلم العاقل أن يلتفت إلى النتائج, مهما كانت في نظره في غير صالحه , لأن الله يعلم والإنسان لا يعلم (( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) ، ويفضل أن تتمم " حسبنا الله ونعم الوكيل " " نعم المولى ونعم النصير " .
" فحسبي الله و نعم الوكيل " من أقوال المؤمنين المتمسكين بالله ، و الناشدين لنصر الله ، و من يتمسك بها فهو من الناجين بفضل الله و نعمته :
" حسبي الله و نـعم الوكيل " : دعاءٌ قاله إبراهيم – عليه السلام – حين ألقوه في النار كما روى البخاري عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ، فجعلَ الله النارَ برداَ و سلاماً عليه ، قال الله تعالى : (( قالوا حرّقوه وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ *قلنا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم ، و أرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين )) سورة الأنبياء .
" حسبي الله و نــِـعم الوكيل ": دعاءٌ قاله المسلمون يوم أُحد فثبتهم الله رغم الجراح ، قال الله تعالى : (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ )) [آل عمران 174:173] .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : " هو حسب من توكل عليه و كافي من لجأ إليه ، وهو الذي يؤمن خوف الخائف ، ويجير المستجير ، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه ، وانقطع بكليته إليه ، تولاه وحفظه وحرسه وصانه ، ومن خافه وإتقاه ، أمنه ممّا يخاف ويحذر ، ويجلب إليه ما يحتاج إليه من المنافع " .
وجاء في الحديث : (( إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل )) .
فإذا ظـُـلمت فقل " حسبي الله و نــِـعم الوكيل " .
و إذا أُبتليت فقل " حسبي الله و نــِـعم الوكيل " .
و إذا ضاقت بك السُبل و بارت الحيل و لم تجد من الناس أنيساً و لا مؤنساً فقل " حسبي الله و نــِـعم الوكيل " .
و إذا كنتَ بريئاً و عجزتَ عن إظهار الحقيقة فقل " حسبي الله و نــِـعم الوكيل" .
و إذا اجتمع القومُ ليؤذوك فقل " حسبي الله و نــِـعم الوكيل " .
و إذا أُغلق عليك في أمر فقل " حسبي الله و نــِـعم الوكيل " .
و إذا تعسّرت عليك الأمور فقل " حسبي الله و نــِـعم الوكيل " .
إذا أُرتجَ عليك و ضاق فُهمك و تعسّر إدراكك فقل " حسبي الله و نــِـعم الوكيل " .
فبها يدفع الله عنك الأذيــّـة و يزيح الكُربة
و يــُـستجلب الرِزق و ينزل الفــَـرج
" فحسبي الله و نــِـعم الوكيل" : دعاءٌ عظيم تهتزّ النفوس حين تسمعه ، و كيف لا تهتز و المرء قد وكّل من لا يغفل و لا ينام ... من يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور ... من لا يظلم عنده أحد ... من قال في حديثه القدسي عن دعوة المظلوم : (( و عزّتي و جلالي لأنصرنّك و لو بعد حين )) .
فاللهم إنّا نسألك أن تحفظنا من أن نظلم أحدا عن قصد أو عن غير قصد ، و أن تبعد عنّا شرور الظالمين و دسائسهم و تردّ كيدهم في نحورهم ، فأنت حسبنا و نعم الوكيل في كلّ من ظلمنا أو أساء إلينا من قريب أو من بعيد في القديم أو الحديث ، فوّضنا أمرنا فيهم إليك وحدك فنعم المولى أنت و نعم النّصير.
_________________
عن عبد بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
(( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه )) البخاري في الجامع الصحيح .