يخطئ الكثير من الناس حينما ينافقون إخوانهم من الناس ثم يلبسون عباءة التقوى فيعمرون و يحجون و يصومون ويعملون كل ما يحسبون أنه يجعلهم في نظر الناس من المتقين...
لقد عاشرت بحياتي بعض البشر الذين وحدت الله في أخلاقهم و سيرتهم، وكنت دائما أتعجب منهم و فيهم، لقد عاشرت بعض الرجال الذين كانوا يقابلونني بالوجه الحسن و البشوش، ويقولون لي كل خير، ولكن و بمجرد ما يخلون إلى حيث لا أكون كانوا يعملون كل ما يستطيعون ليدمروا كل شيء جميل يضنونه سبب من أسباب سعادتي. لكنني كنت أضحك سرا من غبائهم الذي كنت أراه لا حدود له.
لقد كتبت لي يوما فتاة صينية تقول : سئمت من كوني أكره بعضهم وأتمنى لهم زوال النعمة لكنهم يزاولون كل يوم حياتهم العادية بدون أي خلل يذكر، فوجدت نفسي تحترق يوما بعد يوم، ونسيت أمور حياتي وأصبحت لا شغل لي و لا مشغلة سوى تتبع أمورهم، حتى مرضت وسقمت وكدت أنتحر، وفي آخر لحظة أدركت أن كرهي لمن أساؤو إلي لن يمنعهم من أن يعيشوا حياتهم، فقررت أن أعلم نفسي نسيان من أساء إلي.
وقد كتبت لها يومها أقول لها : إن المسيء يحفر مع كل إساءة حفرة تكبر شيئا فشيئا مع كل إساءة يسيئها وقد يردم منها جزءا إذا ما أحسن لمن أساء له وإن لم يفعل سقط يوما في شر أعماله. إياك ثم إياك أن تظن و لو للحظة واحدة أن المسيء سعيد في حياته، هيهات. بل إن حياته كدر في كدر، ويكفيه ذلك ألما. وقد طلبت منها أن تدفع السيئة بالحسنة، وتبادل الإساءة بالإحسان وسيكون لها أكبر عزاء وأكبر دواء لقلبها، كما بينت لها أن ذلك من شأنه أن يكون درسا للمسيء فيعيده إلى طريق الصواب وإلا فإنه سيزيده هما على هم برؤيته للمساء إليه غير مبال بالإساءة وذلك أكبر رد.
ديننا الحنيف علمنا الحلم و الكرم فقال عز و جل : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). (فصلت:34).
هذا يكون ساريا مفعوله على البشر الأسوياء و العقلاء و إن كانوا أعداء، ولكن إن كانوا أعداء منافقين يظهرون الصداقة و المحبة و يخبؤون الظغينة و الكره، فأولئك أقسم لك مئة ألف مرة أنه لن يفلح معهم شيء وهم أخبث وأشر اهل الأرض قاطبة، أولئك هم السرطان الفتاك. وكما قلت في البداية فإن منهم من تحسبه إماما طاهرا أو قديسا صالحا ويسبح بكرة و أصيلا و يتعمد التهليل و التسبيح و الحوقلة أمام كل سامع، ويسمعك من الكلام ما يفقدك حسك بخيانة الخائنين، باختصار يصيح مع الخرفان و هو ذئب.
لقد خرجت بنتيجة عملية وهي أنه من المستحيل أن يكون الإنسان منافقا مع الناس وصادقا مع الله، إنه لن يكون أبدا. ففي نظري الصدق مع البشر يعكس العلاقة الصادقة مع الله. وأدعو كل اولائك الذين يظنون أنه أتقياء أو بالأحرى يتصورن أن الناس يرونهم أتقياء وبالمقابل يعاملون الناس بوجهين مختلفين فيضحكون و يبتسمون إذا قابلوهم و يطعنون في ظهورهم إذا ما غابوا. أدعوهم ان استطاعوا ان يغيروا ما بأنفسهم لعل الله يغير ما بهم.
كما أدعوا كل اولائك الذين هم او كانو ضحية لمثل هؤلاء البشر أن يستعينوا بالصبر و الصلاة وإن الله مع الصابريون، وأن لا يحاولوا تغيير أو تأديب أولائك الناس لأنه سيكون أكبر هدر لوقتهم، لأن مثل تلك الأمراض تعد من أصعب الأمراض التي عرف بها المنافقون.
والله المستعان