السؤال:
أريد أن أعرف من هم الطائفة التي أهمّتهم أنفسهم ، يظنّون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، ونحن نعلم من خلال التفاسير أن رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول لا يريد أن يقاتل مع المؤمنين في معركة أُحد ، فرجع هو وثلث الجيش معه إلى المدينة ، وتابع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ومعه المؤمنون إلى المكان ، حيث جرت معركة أحد مع الكفّار ، ولهذا أستبعد أن تكون الطائفة التي أهمّتهم أنفسهم يظنّون بالله غير الحق ظن الجاهلية هم من المنافقين ، علماً بأن المنافقين لم يشاركوا في القتال مع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، ولقد رجعوا من منتصف الطريق إلى المدينة بأمر من عبد الله بن أبي بن سلول ، هل يعقل أن هذه الطائفة كانت مؤمنة من ثم اتسمت بالمنافقين ؟ من فضلكم أرجو الإيضاح ، وجزاكم الله خيراً .
الجواب :
الحمد لله
نعم ، رجع عبد الله بن أبي سلول بثلث الجيش ، ولم يشاركوا في القتال في غزوة أحد ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون بعض المنافقين بقوا مع المسلمين ولم يرجعوا مع عبد الله بن أبي سلول، وهذا هو الذي تدل عليه الآيات ، قال الله تعالى : ( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران/154.
قال ابن كثير رحمه الله :
" - روى البيهقي بإسناده - عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ؛ أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، قال : والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعنه ، وأخذله للحق ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) كذبة، أهل شك وريب في الله عز وجل .
هكذا رواه بهذه الزيادة ، وكأنها من كلام قتادة رحمه الله ، وهو كما قال ؛ فإن الله عز وجل يقول : ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ) يعني : أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله .
ولهذا قال : ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ) يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) كما قال في الآية الأخرى : ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ) الفتح/12، وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة ، وأن الإسلام قد باد وأهله ، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة .
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم يقولون في تلك الحال : ( هل لنا من الأمر من شيء ) قال الله تعالى : ( قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ) ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله : ( يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) أي : يسرون هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال محمد بن إسحاق بن يسار : فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال الزبير : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا ، أرسل الله علينا النوم ، فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، قال : فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ، ما أسمعه إلا كالحلم ، يقول : ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) لقول معتب. رواه ابن أبي حاتم " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (2/145-146)
والله أعلم .