المتغيرات الأربعة في الإقناع والتفاوض
الدكتور ديفيد فنتر
ترجمة: فوزي رضوان
القدرة على "الإقناع والتفاوض" واحدة من أهمّ المهارات التي يجب أن يتمتع بها مدير الأعمال الناجح، فالإقناع يمكن أن يمثِّل قوة دفع ذات فائدة هائلة للمؤسَّسات، ولكل جوانب الحياة الأخرى، وتكمُن أهمية إتقان "فنّ الإقناع" في أنه شيء حيويّ للغاية، لتبين قدرة المدير فى معالجة العديد من التحديات التي تواجِهه في السوق المتغيّرة باستمرار، وإنّ الإقناع المؤثِّر يتحقق عندما يصل المديرون إلى المشاركة الكاملة في إيجاد حلول ذات مَنفعة مشتركة ومتبادلة.
وهذا يستلزم من المديرين أن يستخدموا مهاراتهم في التفاوض، التي تُتيح لهم توجيه موظَّفيهم لحلّ مشكلة ما، كما أن اشتراكهم في إيجاد الفُرَص المناسبة في السوق، تَشحَذ مهاراتهم في التفاوض من خلال التحضير والإعداد الدقيق، إلى جانب وضع صياغة مُبتَكرة للمشكلات والجدل حولها، ومناقشتها مع المعنيين بطريقة واقعية.
الأخطاء الشائعة
لكن هناك بعض الأخطاء الشائعة التي قد يقع فيها المديرون عند محاولتهم إقناع الموظَّفين أو المتعاملين بشيء ما، أبرزها هو ما يقع فيه المدير لدى محاولته إدارة قضية تتعلق بالموظَّفين، عن طريق اللجوء إلى "المواجَهة المباشِرة" معهم، من دون استخدام التفكير العقلانيّ لمعرفة احتياجاتهم واتجاهاتهم.
ويُؤمِن المديرون الذين يتّبِعون ذلك النهج غير العقلانيّ أن طريقتهم تلك سوف تُحرِّك المفاوَضات إلى تحقيق نتيجة سريعة، ولكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، إذْ من الأرجح أن توافر الطرق غير المنطقية في المفاوَضات للطَّرَف الآخَر فرصة للهجوم المضادّ.
وهذه الطريقة سوف تكون السبب في مقاوَمة الطَّرَف الآخَر للتسوية أو التوصل إلى تفاهُم نهائيّ، لأنه سيَنظُر للأمر على أنه هجوم أكثر منه محاولة للإقناع أو التفاوض، وهذا النهج غير العقلانيّ يتجاهل نتائج البحوث التي تقول إنه من غير الممكِن للمديرين أن يُقنِعوا الموظَّفين أو المتعاملين، بتغيير اتجاهاتهم وأفكارهم وسلوكهم، من دون أن يقوموا -هم أنفسهم- بتغيير اتجاهاتهم وأفكارهم وسلوكهم.
ومِثْل هؤلاء المديرين لا يقدِّرون حقيقة أن هؤلاء الأشخاص على استعداد أن يقبلوا التفاوض، فقط عندما يكونون على قناعة بأن من يحاولون إقناعهم يقبلون ويقدِّرون احتياجاتهم واهتماماتهم، وببساطة فإنه عندما يَنظُر المديرون إلى "فَنّ الإقناع" على أنه طريق ذو اتجاه واحد فقط، ويُهمِلون الاستماع إلى الموظَّفين أو المتعاملين، ولا يهتمّون بوجهة نظرهم في عملية التفاوض، فإنهم سوف يحكمون برؤيتهم تلك على العملية التفاوضية بـ"الفشل" قبل أن تبدأ.
وثَمّة خطأ آخَر، ربما يقع فيه مديرو العملية التفاوضية، وهو عدم أخذهم في الحسبان متغيِّرات في غاية الأهمية لنجاح العملية التفاوضية، مِثل مصداقيتهم وقدرتهم على بناء إطار مشترك للمنفعة يُسانِد موقفهم، ناهيك عن التواصل مع المستمِع بطريقة وجدانية وبلغة واقعية حية، تجلب الحياة الواقعية إلى الأفكار.
أمّا المديرون الذين يفترضون أن الإقناع هو مجرد "حدث عابر"، وينسون أنه عملية متكاملة تتطلب منهم المشاركة والاستماع إلى آراء الآخَرين، فإن سلوكهم هذا سوف يحكم على العملية التفاوضية بالفشل أيضاً، لذلك فمن الأهمية بمكان إيجاد أوضاع جديدة تعمل على دمج مجموعة من المدخَلات لنجاح العملية التفاوضية، التي تعتمد -أساساً- على المشارَكة في إيجاد البدائل المتاحة.
معادَلة الإقناع
هناك أربعة متغيِّرات حاسمة في "معادَلة الإقناع" أولها بناء المصداقية، فالأطراف التفاوضية تستجيب بعد أن تحدِّد ما إذا كانت آراء الطَّرَف الآخَر يمكِن الوثوق بها أم لا، ولسوء الحظّ فإن معظم المديرين يعتقدون أن مصداقيتهم فوق التقدير.
وهناك أُسُس تُبنى الثقة عليها، فإذا كان المديرون أطرافاً في عملية تفاوضية، فيجب أن يملكوا سِجِلاً في إدارة عمليات تفاوضية سابقة، كما يجب أن يكونوا على دراية تامّة بمنتَجاتهم ومقترحَاتهم، فضلاً عن الخبرة الكبيرة.
ولا شكّ أنّ ارتفاع معدَّلات المصداقية "سمة محفوظة" لهؤلاء الذين أثبتوا أنهم -مع مرور الوقت- يمكِن الوثوق بهم للعمل من أجل مَصلحة الآخَرين وتبادل الثقة في الأفكار الجيِّدة، وهؤلاء يتميز سلوكهم بالنزاهة والثبات والقدرة على مُقاوَمة التقلُّبات المزاجية المتطرِّفة، وإذا كانت "فجوة الخبرة" موجودة فإنّ العلاجات التالية يمكن أن تكون مُفِيدة للغاية:
- اكتساب التعليم الأساسيّ وغير الأساسيّ، والتحاور مع الأفراد ذوي المعرفة.
- التعاقُد مع خبرات خارجية معروفة ومعترَف بها، والاستفادة من مَعارِف الخُبَراء داخل المنظَّمة لدعم الموقف التفاوضيّ.
- الانتفاع بمنشورات الأعمال والكتب والتقارير المستقِلّة، والعروض التي قدَّمها الخُبَراء لدعم الموقف.
أمّا "فجوات العلاقة" فيُمكِن مَلْؤها بطريقة فعّالة عن طريق الاجتماع مع الأشخاص المهمّين من الحضور، الذين يخطِّط المدير لإقناعهم أو لمعرفة آرائهم بشأن بعض الموضوعات المتعلِّقة بالموقف التفاوضيّ، كما أنه من المهِمّ إدراج آراء بعض زملاء العمل الذين لديهم وجهات نظر حول مثل هذه القضايا.
وأمّا المتغير الثاني في "معادلة الإقناع" فهو المصداقية، والتي إذا افتقدها المدير فإن الخُطُوات التالية للعملية التفاوضية تصبح بلا جدوى، وهي شيء يمكن تطويره وتعزيزه، وعلى الرغم من أن المصداقية شيء حيويّ ومتغيِّر، فإنها ليست كافية -في حدِّ ذاتها- لإقناع الأشخاص بقبول أوضاع جديدة أو متعارِضة، فقبول موقف أو وضع جديد يعني أنّ على المديرين وصف هذه الأوضاع أو المواقف بطريقة تؤكِّد المزايا والمنافع المشتركة، وهو ما يجعل الطَّرَف الآخَر أكثر تفهُّماً وقبولاً لهذه المنافع والمزايا، التي سوف "تُمنح" له.
اللُّغَة والعاطفة
المتغيِّر الثالث في العملية التفاوضية هو تقديم الأدلة، فعندما يتمّ بناء المصداقية يوضع إطار عامّ للتفاوض، يتحوَّل فيه التركيز إلى تقديم أدِلّة واضحة لدعم موقف مدير عملية التفاوض، فالمدير المؤثِّر يكون بارعاً بتقديمه بيانات رقمية، بها استعارات وتشبيهات وقياسات وقِصَص وأمثلة يَطرَح بها أفكاره وآراءه، وفنّانو الكلمة هم الذين يستطيعون تركيب "صور الكلمات" لتضيف صورة واضحة لوجهة نظرهم.
والمديرون المؤثِّرون يستطيعون استخدام "قوة اللُّغَة" لصالحهم، من أجل التواصل مع أطراف العملية التفاوضية، وتظهر هذه باعتبارها القوة الأساسية الدافعة التي تقود أنشطة العمل والإقناع.
ولكن ما قد يغفله بعضهم هو أن العاطفة قد تكون هي القوة المؤثِّرة الأولى، والمديرون يَعرِفون جيِّداً أهمية العاطفة، ويستجيبون لها بالفطنة ويعرضون التزامهم العاطفيّ لتعزيز الموقف الذي يُقدِّمونه، كما أنهم قادرون -بغريزتهم الفائقة- على تفسير أحاسيس الأطراف التفاوضية، وكيفية عرض القضية بالطريقة التي تحوز قبولهم في نهاية المطاف.
قوة الإقناع
وأمّا المحور الرابع والأخير في إتمام العملية التفاوضية بنجاح، فهو "قوة الإقناع" التي تُعَدّ من أهمّ المهارات في ترسانة مديري الأعمال، والإقناع يمكِن أن يُشكِّل قوة هائلة في مجال الأعمال، بهدف خلق تحولات غير مسبوقة في العملية التفاوضية، من شأنها أن تكسِر حدود عدم التفاهم بين الأطراف، ومن شأنها أيضاً أن تُرسِّخ وتُعزِّز التغيير والتجديد والبناء.